أزمة الثقة بين عون والحريري… إلى أين تجر البلد؟
فلنتخيّل أن عملية تأليف الحكومة في لبنان جرت بعد اعتماد سيناريو تسووي بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف بالتأليف سعد الحريري: هل سينسجم الرئيسان مع بعضهما على طاولة مجلس الوزراء؟ بالتأكيد سيؤثر التباعد الشخصي والسياسي القائم بينهما على أيّ إنتاجية حكومية محتملة. فلنتخيّل المشهد: يحضر عون فيترأس جلسة مجلس الوزراء، وإلى يمينه الحريري، وأمامهما جمع من وزراء التكنوقراط، لن يفهم أيّ وزير منهم الاّ باختصاصه الإداري. وعندما يحصل نقاش سياسي حول أمر ما، أو طرح الأبعاد السياسية لملف حكومي، سوف يشتد الحوار بين رؤيتين سياسيتين يمثل إحداهما “فخامة الرئيس” ويمثّل الثانية “دولة الرئيس”، بينما سينظر وزراء التكنوقراط إليهما وإلى بعضهم من دون أي خبرة ولا دراية ولا قدرة على اتخاذ قرار سياسي بحجم النقاش الذي يدور على طاولة مجلس الوزراء.
كل ذلك يعني، أنّ أزمة الثقة القائمة بين عون والحريري، ومن بينهما رئيس التيار “الوطني الحر” النائب جبران باسيل قد تجعل مجلس الوزراء ساحة نزاع سياسي أو مجمّد القرارات الإنتاجية: فهل ستبقى المرحلة الفاصلة عن نهاية عمر العهد مكبّلة بتداعيات عدم الثقة السياسية، أو تباين الاتّجاهات الداخلية والاستراتيجية؟
البلد سيدفع ثمن خلاف بين قطبين مسؤولين. تغيب الإيجابية التي يُفترض أن يحكم علاقة الرئاسات في بلد معقّد التركيبة، فتتجمّد الإنتاجية، ويتدخل الوسطاء، وتحلّ تسويات جزئية مركّبة مرحلية لا تكفي لتلبية متطلبات حلّ الأزمة القائمة في البلد.
ومن هنا، في حال لم تنجح وساطات العواصم المهتمة بلبنان، كالدولة الفرنسية أو الإمارات العربية المتحدة أو مصر، في دفع السعودية والولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية للطلب من القوى اللّبنانية إجراء تنازلات متبادلة لتحقيق تسوية تتخطى أبعادها عملية تأليف الحكومة، فإن لبنان محكوم بالشلل السياسي والحكومي، وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي، الذي يُثمر مزيدًا من العوز المعيشي وتوسّع طبقة الأكثر فقرًا في البلد.
فهل يتنبّه المعنيّون إلى مخاطر غياب الثقة بين رئيسين على مسار السلطة التنفيذية؟ فما هو الحل؟
إمّا إجراء تسوية شاملة تطال التفاصيل أيضًا، لغاية مرحلة الانتخابات الآتية بعد أقل من سنتين. وهذا أمر مستبعد. وإمّا تراجع أحدهما عن حدّة رؤيته لصالح الآخر، وهذا أمر مستحيل. وإمّا اعتذار الرئيس المكلّف عن إكمال مهامه في تأليف ورئاسة الحكومة، والتفرّغ لقيادة معارضة ضد العهد الرئاسي يحصد نتائجها في صناديق الاقتراع. وهو أمر سبق وتمّ طرحه في كواليس المقرّبين من بيت الوسط، لكن ورقته طُويت حينها.
إذا حصل هذا الاعتذار، فإن العهد قد يطرح أسماء شخصيات سنّية تجمع السياسة مع التكنوقراط، تترأس أحزابًا وليست آتية من فراغ، لا تستفز العرب ولا الغرب، وتحظى بمباركة الطائفة الإسلامية السنية، ومن هنا يطلّ اسم النائب فؤاد مخزومي، كمرشح لتولي المهمة، خصوصًا أنّه لا يستفز الحراك الشعبي الذي يعتبر نفسه واحدًا منه من خلال سلوكه درب المعارضة في مجلس النوّاب.
يبدو أنّ البلد سيكون أمام مروحة اقتراحات للخروج من الأزمة القائمة، خصوصًا أنّ طروحات التدويل أحدثت خلافات عند انطلاقتها، وهو ما سيزيد الجرح اللّبناني بدل تضميده.
كلّ المؤشرات توحي بأنّ الانهيار المتواصل سيتسارع خلال أقل من شهرين، وفي حال عدم التوصل إلى تسوية سريعة، سيكون اللّبنانيون قبل شهر نيسان في قعر الهاوية، من دون أن يمدّ أحد يديه لانتشالهم.
عباس ضاهر